في هذا الملف- التحقيق، تنبس"أوال" ذاكرة المغرب المسكوت عنها. وتطلع المغاربة على حقيقة الخونة الذين كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية، لكنهم رغبوا في توجيهها ضد إرادة المغاربة، فكان المغاربة لهم بالمرصاد. بنفس المرصاد تسقط "أوال" ورقة التوت الأخيرة عن امتداد الخيانة في حياتنا الراهنة، وتكشف لقرائها، استنادا إلى مراجع تاريخية، حقائق تنفرد " أوال" بنشرها لأول مرة.
يعتبر الفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري أن فقهاء المذهب المالكي لخصوا " الكلام في الإمامة"، أي اختيار الحاكم أو السلطان، في كلمة واحدة هي:" من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، ويضيف الجابري:" وقد عبر " العامة" في المغرب بلهجتهم وبصيغة لا تخلو من تهكم، عن هذا المبدأ الفقهي فقالوا: " الله ينصر من أصبح". فهل يعني ذلك أن المغاربة لا عهد لهم، وبإمكانهم أن يدعوا بالنصر لسلطان بالليل، وأن يبايعوا من انقلب عليه في الصباح..؟
بالرجوع إلى تاريخ المغرب، بعد الفتح الإسلامي، نجد أن ولاء المغاربة لهذا السلطان أو ذاك، كان يختلف حسب المناطق، أو حسب الزوايا الصوفية، أو العائلات المعروفة.. ومهما احتد الخلاف وبلغ القتال، فلم يكن أي طرف يرمي الزاخر بالخيانة، طالما أن الأمر يتعلق بصراع داخلي لحسم الحكم لهذا السلطان أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، بل حتى الاستعانة بحاكم مسلم، من غير المغاربة، ضد حاكم مغربي جائر،لم يكن يثير أي حرج، فعندما استنجد عبد الملك السعدي بالأتراك العثمانين ضد ابن أخيه محمد المتوكل، الذي استبد وطغى وقتل إخوته وأهمل شعبه، لم يصفه أحد من العلماء أو من عامة الناس بالخيانة. لكن العلماء، كما عامة الناس، سيقومون بالمرصاد لمحمد المتوكل حين لاذ واستقوى بالبرتغاليين. من جانب اخر، فمفهوم الخيانة لم يكن يتردد بقوة بين المغاربة، بل لن يأخذ معناه الحالي، أي " خيانة الوطن"، إلا مع ظهور " الحركة الوطنية" في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالضبط أثناء مناهضة الظهير البربري، الذي سعى من خلاله الاستعمار الفرنسي، إلى تقسيم المغرب إلى : عرب يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية، و" بربر" تحكمهم الأعراف المحلية والقوانين الفرنسية. حيث سيشار إلى المناهضين لهذا الظهير بالوطنيين، فيما سيطلق على المنحازين إليه وإلى فرنسا بالخونة. كلمة خائن ستترسخ لدى المغاربة أكثر سنة 1953، بعدما نفت فرنسا محمد الخامس، وأجلست على عرشه ابن عرفة، حيث سيشرع المقاومون بايعوا ابن عرفة ملكا، ففي هذه الأثناء " وضعت قائمة تضم 65 خائنا... " إذا كان الإنسان بالمرصاد للوطنيين ويعمل جهده للإطاحة بهم، فهؤلاء كنا ننفذ فيهم الإعدام" يحكي المقاوم الحسن العرائشي.